--------------------------------------------------------------------------------
الرهاب الاجتماعي ونوبة الخوف هل هي نتيجة لخلل كيميائي كنقص السيروتونين أم هي نتيجة التنشئة والتربية والعوامل الاجتماعية؟
ففي الحقيقة الإجابة القصيرة والمفيدة أن الأسباب متعددة، ولا أحد يستطيع أن يقول أن هنالك سببًا واحدًا يسبب هذا النوع من المخاوف، والنظرية العلمية المعتبرة والقائمة على الشواهد والأدلة والبراهين هي أن بعض الناس لديهم استعداد وراثي لحدوث مثل هذه الظواهر النفسية والاجتماعية، وحين نذكر الاستعداد الوراثي لا نقصد أبدًا أن فعل الوراثة هنا هو فعل مباشر، لأن الوراثة لها قوانين، فإن هناك قانون يسمى قانون مندليلا، وهذا القانون تُحسب من خلاله الجينات، وهنالك أمراض يُعرف أن الوراثة تلعب فيها دورًا مباشرًا، وتتبع ما يعرف بقانون مندليلا.
وهنالك استعدادات للوراثة تلعب فيها جينات صغيرة أو جزئيات منها دورًا في أن تجعل الإنسان أكثر استعدادًا للحالة إذا توفرت الظروف الأخرى، وهي التي نسميها بالظروف المهيأة، هناك ظروف مهيأة وهنالك ظروف مرسبة، والإنسان إذا كان البناء الغريزي لشخصيته أو لديه استعداد وراثي كما ذكرنا وتهيأت الظروف الأخرى مثل التنشئة والتربية والعوامل الاجتماعية واكتساب المخاوف في الصغر فهذا سوف يؤدي إلى ظهور هذه الحالة.
نستطيع أن نقول أن السبب الرئيسي وراء هذه الحالات هو التظافر ما بين العوامل البيئية أيًّا كان نوعها مع العوامل التي يمكن أن نسميها وراثية، ونقصد بها الاستعداد لظهور الحالة، فمرض السكر مثلاً ليست هناك وراثة مباشرة ولكن هناك استعداد وراثي، وهكذا.
بالنسبة لمادة السيروتونين، فهي المادة التي تمركزت حولها كل الأبحاث، وهنالك مؤشرات قوية جدًّا أنها بالفعل تلعب دورًا في حدوث هذه الحالات، والسيروتونين هو موصل عصبي رئيسي بجانب الدوبامين والنورادرنلين، والذي يحدث هو ضعف في إفراز السيروتونين أو عدم انتظام في إفرازه، وهذا يؤدي إلى قلته أو عدم توفره في الفجوات ما بين الأعصاب، ولذا تلعب الأدوية التي تستعمل في علاج الحالات الناتجة من ضعف إفراز السيروتونين تلعب دورًا في استشعارها للمستقبلات العصبية مما يوفر مادة السيروتونين.
حتى الآن لا توجد أي وسيلة مباشرة لقياس مادة السيروتونين، ولكن هنالك طرق منها قياس السائل النخاعي من الظهر، فهنالك مشتقات ثانوية للسيروتونين وجد أنها أقل من المعدل الطبيعي في الذين يعانون من الاكتئاب النفسي مثلاً وكذلك المخاوف، ولكن هذه الفحوصات لا يمكن إجراؤها إلا تحت ظروف معينة وبواسطة خبرات ومختبرات مختصة في هذا السياق، وهنالك فحص آخر يتم فيه استعمال أشعة معينة تعرف بالرنين المغناطيسي الوظائفي، تستعمل في هذه الفحوصات نظائر مُشعة، ومن خلال ما توصله هذه النظائر المُشعة في أجزاء معينة من المخ يمكن تحديد ضعف أو كثرة أو عدم انتظام مادة السيروتونين، وهذه النظائر المُشعة تعكس درجة النشاط العصبي وتدفق الدم واستهلاك الأكسجين والجلوكوز في المناطق المعينة في المخ، ومن خلال حسابات فسيولوجية خاصة يصل الخبراء إن كان هنالك ضعف أو عدم ضعف في إفراز مادة السيروتونين.
إذن هذا هو الوضع العلمي وهذه هي التحاليل التي تُجرى، ولكنها بالطبع لا يمكن إجراؤها في مختبرات عادية، وليس هنالك داعٍ لأن يبحث الإنسان نحو هذه الفحوصات؛ لأن الأمر قد قتل بحثًا، والمؤشرات المباشرة وغير المباشرة تدل بالفعل أن مادة السيروتونين لها دخل في المخاوف والرهاب الاجتماعي.