وصلتَ يا أبا عمار ْ
فالسماءُ غيرُ السماءْ ، والأرضُ غيرُ الأرضِ ، والهواءُ غيرُ الهواءْ
وبعدَكَ نحنُ مهما اجتهدنا لن نجيدَ الاختصارْ
فهذا الفنُّ لكَ وحدكْ ، وهذا العلمُ لا يقبلُ الانتشارْ
ومهما حاولنا فلا صبرُنا صبرُ ياسر، ولا عزمنا ما تحمَّلهُ الخيارْ
وصلتَ يا أبا عمارْ
***
سافرت قلوبنا وأرواحنا إليكَ فاستنفرتَ حبَّكَ الكبيرَ إليها ، وعبرتَ منها إليها دونَ انتظارْ
طارت يماماتنا على مشارفِ نبضكَ ، فأسكنتها في راحةِ كفَّكَ وأسكنتنا معها بينَ ذراعيكَ مثلَ الصِّغارْ
وأبت آلامنا وآمالنا وأيامنا إلا أن تلحقكَ فالتحفتها بينَ عينيكَ سفيراً لها وإن عزَّت السلوى وغابَ الدثارْ
أما الأسماءُ فقديمها وجديدها يستعدُّ لرحلةٍ بينَ العيونِ والحلمِ وساحةٍ من فسحةٍ فيها اعتذارْ
وصلتَ يا أبا عمارْ
***
أحببتَ الضمَّ في الأسماءْ كما أحببتَ الرفعَ في الكلماتْ
فرفعتَ غصنَ الزيتونِ في هيئةِ الأممِ فاعلاً مكرراً مؤكِّداً ، ورفعتَ العلمَ على أسوارِ القدسِ دائماً في كل الجملِ والتراكيبِ وضحكت من بلاغةِ اللغةِ وقواعدِ الإعرابْ ، وفتحتَ ذراعيكَ للحياةِ فضممتها وضممتنا معها على أملِ الوصولَ معكَ برغمِ رحلةِ الشقاءِ وسفرِ العذابْ .
نصفُ لغاتِ الأرضِ نطقت باسمِ فلسطينَ من وحيِ الكوفيَّةِ ، ونصفُها هتفت لها من وحيِ الهامةِ الأبيَّة ْ، فكنتَ في الحالينِ أميرَ الفصاحةِ والبيانِ وأمهرَ الدعاةِ وصانعَ الكتابةِ وجامعَ الكتابْ.
وصلتَ يا أبا عمارْ
***
ضربتَ خيمتكَ الكبيرةَ بينَ الأرضِ والأرضْ
فكنتَ خيمةَ الضادِ وخيمةَ الإنسانِ وخيمةَ القدسِ في ذاتِ الدفقِ والنبضْ
وجمعتَ في حياتكِ كما جمعتَ في وصولكَ يا معلِّمَ الحريةِ ويا بانيَ الإنسانيةَ فيها سنّةً وفرضْ
خطوتَ بينَ الألغامِ دونَ انشغالٍ بها وحوَّلتها بدلَ أن تكونَ ساحةً للموتِ والخرابِ ساحةً لجمعِ الشملِ وداراً للقاءِ حولَ بيتكَ الكبيرِ وصبركَ الغضْ
وصلتَ يا أبا عمارْ
في السياسةِ ما أطعمتنا سمكةً واحدةً واكتفيتَ ولكنْ علمتنا القنصَ والصيدْ
وفي الثورةِ ما فككتَ لنا غيرَ قفلٍ واحدٍ في أصعبِ الأبوابِ ثمَّ علمتنا كيفَ نفكَّ القيدْ
وفي المشوارِ أخذتَ منا القسمَ والعهدَ فقلنا القسمُ هو القسمُ والعهدُ هو العهدُ ولا حيدْ
وفي الأبوةِ أطلقت خزائنَ البشريةِ فما ردها حاجزٌ ولا أوقفها سدٌ ولا وسعها حيضْ
وصلتَ يا أبا عمارْ
***
بكَ رفعنا نصابنا في السماءِ وأنرنا دروبَ الجنَّةِ الفيحاءْ
وأصبحتَ ليسَ فقط شهيدَ الأرضِ وشلالِ الدماءِ في فلسطينَ بل أصبحتَ شهيدَ السماءْ
يا صاحبَ اللا الوحيدةِ في قرنِ الخورِ والارتماءْ
منحتَ مدادَ التاريخِ بحراً جديداً للكتابةِ والانتشاءْ ، وشغلتَ قادمَ الأيامِ بما شغلتَ سالفَ الأجيالِ
فوقَ القدسِ روحكَ اليومَ رغمَ صلفِ الكذبِ والادِّعاءْ
وصلتَ يا أبا عمارْ
***
يتامى من بعدكَ يا والدَ الأحرارْ
بيدَ أنَّ أبا فلسطينَ أحسنَ إعدادَ البيتِ وأحسنَ البيتُ الاختيارْ
شعبٌ واحدٌ وخطوةٌ واحدةْ
فلسطينُ أولنا وآخرنا وفلسطينُ بيعتنا وعهدتنا وسنحسنُ الانتصارْ
في أعناقنا القدسُ والعودةُ فاطمأنَّ بأنا لن نساومَ ولن نهادنَ ، ولن ننعاكَ يا أبا فلسطينَ فإنكَ ما رحلتَ وإنا ما ودّعناكَ ولكنا أودعناكَ و أوعدناكَ ، فقرَّ عيناً واسترحْ قليلاً حتى نكملَ المشوارْ
ليسَ وداعاً يا أبا فلسطينَ ولكن إلى لقاءٍ يا صاحبَ الدار ْ
أبو عمار ميعاداً ، ميعاداً يا أبا فلسطين ، ميعاداً يا أبا عمارْ........
إهداء إلى روح الشهيد الرباني القائد الأب أبو عمار رحمه الله