بســم الله الـرحمــن الرحيــم
11 - توبة النعمان بن امرئ القيس الأكبر
قال أحمد بن مروان وحدثنا أحمد بن يوسف حدثنا محمد بن سلام الجمحي عن الأصمعي:
أن النعمان بن امرئ القيس الأكبر وهو الذي بنى الخورنق ركب يوما فأشرف على الخورنق فنظر إلى ما حوله فقال لمن حضره هل علمتم أحدا أوتي مثل ما أوتيت فقالوا لا إلا رجل منهم ساكت لا يتكلم وكان من حكمائهم
فقال له مالك لا تتكلم فقال أيها الملك إن أذنت لي تكلمت فقال تكلم قال أرأيت ما جمعت أشئ هو لك لم يزل ولا يزول أم هو شئ كان لمن كان قبلك وزال عنه وصار إليك وكذلك يزول عنك قال لا بل كان لمن قبلي فزال عنه وصار إلي وكذلك يزول عني قال فسررت بشئ تزول عنك لذته غدا وتبقى تبعته عليك تكون فيه قليلا وترتهن فيه كثيرا طويلا
قال فبكى وقال له أين المهرب قال إلى أحد أمرين إما أن تقيم فتعمل بطاعة ربك وإما أن تلقي عليك أمساحا هو ثم تلحق بجبل وتفر من الناس وتقيم وحدك وتعبد ربك حتى يأتيك أجلك
قال فإذا فعلت ذلك فما لي فقال حياة لا تموت وشباب لا يهرم وصحة لا تسقم وملك جديد لا يبلى فقال له أيها الحكيم فكل ما أرى إلى فناء وزوال قال نعم قال فأي خير فيما يفنى والله لأطلبن عيشا لا يزول أبدا قال فانخلع من ملكه ولبس الأمساح وسلم وسار في الأرض وتبعه الحكيم فعبدا الله جميعا حتى ماتا
وهو الذي يقول فيه عدي بن زيد الشاعر :
وتذكر رب الخورنق إذ * أشرف يوما وللهدى تفكير
سره ماله وكثرة ما يملك * والبحر معرضا والسدير
فارعوى قلبه فقال وما غبطة * حي إلى الممات يصير
وفيهم يقول الأسود بن يعفر :
ماذا أؤمل بعد آل محرق * تركوا منازلهم وبعد إياد
أهل الخورنق والسدير وبارق * والقصر ذي الشرفات من سنداد
نزلوا بأنقرة يسيل عليهم * ماء الفرات يجئ من أطواد
أرض تخيرها لطيب مقيلها * كعب بن مامة وابن أم دؤاد
جرت الرياح على محل ديارهم * فكأنما كانوا على ميعاد
فأرى النعيم وكل ما يلهى به * يوما يصير إلى بلى ونفاد